Skip to main content

مناط استقلال الاتفاق على التحكيم عن الاتفاق الأصلى

مناط استقلال الاتفاق على التحكيم عن الاتفاق الأصلى

  • الكاتب: الناصر حمزة

إن موضوع استقلال الاتفاق على التحكيم عن الاتفاق الأصلى قد تعرض له العديد من الفقهاء بالتأصيل وبيان علته، وقضى به المحكمون وأيضا قضاة الدولة بمناسبة نظرهم القضايا التى عرضت عليهم في هذا الشأن ولضيق المجال فإننا نعرض لهذا الموضوع بإيجاز فنقول إذا سألت شخصاً عن مصير غصن الشجره اذا انقطع جذعها المتصل به، فسيجيبك فورا ودون أدنى تردد، أن الحياة ستتوقف فيه كما توقفت فى الجذع بسبب هذا الاتصال، وهو ما تقضيه طبيعه الأشياء، فإذا ما نقلنا هذا الأمر إلى المجال القانوني وبالتحديد فى إطار التحكيم فسنجد كلا من التشريع والفقه والقضاء والتحكيم يقول غير ذلك  فالحياة تظل تدب فى غصن اتفاق التحكيم رغم توقفها فى جذع الاتفاق الاصلى (العقد) فكيف يكون ذلك؟

إذا افترضنا أن طرفين قد ابرما عقد توريد آلات ومعدات وكان أحد بنود العقد ينص على أنه فى حال حصول خلاف حول تفسير العقد اوتنفيذه يتم اللجوء بشأنه إلى التحكيم، وقد تبين بعد ذلك أن الآلات والمعدات محل العقد محظور التعامل فيها لسبب ما، بطبيعة الحال سيكون العقد باطلا فهل هذا البطلان يلحق أيضا اتفاق التحكيم باعتباره أحد بنود العقد الذى أبطل؟

نقول ان فقه التحكيم والقضاء قد استقر على أن الاتفاق على التحكيم مستقل عن الاتفاق الاصلى، فلا يتأثر به، ولايبطل لبطلانه، الا اذا كان شرط التحكيم في حد ذاته باطلا، بأن تحققت به إحدى الحالات المنصوص عليهابالمادة (340) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي مثلاً التي تنص على أنه لا يجوز التحكيم فى الأمور المتعلقة بالنظام العام أو المنازعات بين العمال وارباب العمل بشأن تطبيق الأحكام الخاصة بالتأمين الاجتماعى واصابات العمل وأمراض المهنه، والمنازعات المتعلقه بالجنسيه أو بالحالة الشخصية بما فى ذلك التفريق البدنى، على أنه يجوز أن يكون موضوع التحكيم تقديرا لنفقه واجبة فى النظام الزوجى والعائلى أو فى اختلاف على مقدار المهر أو البائنة او دعاوى ماليه أخرى ناشئه عن قضايا الأحوال الشخصية. كما يجوز التحكيم بين الزوجين فيما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية ولا يصح التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف فى حقوقه ولا فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح.

فإذا لم تتحقق مثلا أية حالة من الحالات المنصوص عليها فى المادة السابقة لا يبطل إتفاق التحكيم لبطلان العقد الاصلى، ذلك لاستقلالية كل منهما عن الاخر. ومناط هذه الاستقلالي يمكن أن نبينها مع د. حزبون )د. حزبون – كشف منشور فى مجلة التحكيم العالمية – عدد1-اكتوبر-2012)  فى الآتي:

1-ان الأتفاق الاصلى هو إتفاق على أداء أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل ما، فى حين أن شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم موضوعة دائماً هو القيام باجراءات وإصدار قرار لحسم خلاف أو منازعه تتعلق بالاتفاق الاصلى.

2-أن الاتفاق الاصلى قد يكون موضوعه معلقا على شرط أو مضافا إلى أجل…. الخ بينما شرط التحكيم يكون دائماً معلق على شرط وهو حصول نزاع بين طرفى العقد الاصلى.

ورغم اتحاد طرفى العلاقة فى كل من الاتفاق الاصلى وفى الاتفاق على التحكيم فإن موضوعهما وتاريخ نفاذهما مختلفان

ونزيد الأمر ايضاحا مع الشيخ صلاح الحجيلان (2)فنقول:

1-أن سبب العقد الأصلي يختلف عن سبب اتفاق التحكيم أو شارطة التحكيم فالسبب فى الحالة الأخيرة هو تعمد طرفين بعدم الالتجاء إلى قضاء الدولة بالنسبه إلى لما يثور بينهما من نزاع حول عقد معين، أما السبب فى الحالة الأولى في العقد الاصلى، فهو أمر مختلف تماماً لتعلقه بموضوع العقد، أي الشئ الذى تعاقدا عليه.

2-ان المحل فى كليهما مختلف عن الاخر، فمحل الشرط أو مشارطة التحكيم هو الفصل فى منازعة يمكن أن تنشأ بشأن العقد، أما محل العقد الاصلى فهو أمر أخر يختلف تبعا لنوع العقد الذى قد يكون عقد بيع أو وكالة تجارية… الخ.

وقد طبق القضاء والتحكيم الدولى هذة القاعدة على المنازعات التى عرضت عليه ونكتفى بايراد نماذج منها للتدليل على هذا التطبيق :

– قامت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعى الليبية بفسخ عقد مبرم بينها وبين شركة إيطالية بحجة اخلال الأخيرة بالتزاماتها التعاقدية. وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة التي تنوب عن الوزارة أمام المحكمة العليا الليبية بأن :(الفسخ اطاح بالعقد ونصوصه ومن ضمنها ([1])

الشرط الخاص بالتحكيم، ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع، واقرت فى حكمها استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الاصلى الذى فسخ وقالت: “أن القضاء بولايته العامة أو التحكيم بولايته الخاصة منوط به مراقبة أسباب الفسخ، حتى يوازن بين سلطة الإدارة الخطيرة فى إنهاء العقد، وبين حق المتعاقد فى الحصول على التعويضات ان كان لها وجه”

_ قضت محكمة النقض الفرنسية (الدائرة المدنيه) بتاريخ 1963.5.7 فى قضية (Gosset) بخصوص

عقد مبرم بين تاجر فرنسى واخر أجنبى ببيع بضاعة صدر قرار حكومى بمنع تصديرها من فرنسا، حيث قالت : “فى مجال التحكيم الدولى فإن شرط التحكيم سواء جاء منفصلا أم داخلا فى تصرف قانونى يتعلق به، وفى غير الظروف الاستثنائية، يشكل دائما استقلالا قانونيا قائما، ويكون بمنأى عن أى بطلان محتمل يصيب ذلك التصرف القانوني”.([2])

قضى المحكم فى القضية المرفوعة من شركة (ليامكو)  _ (LIAMCO) النفطية المؤممة من قبل الدولة الليبية بموجب القانون رقم 66  لسنة 1973 وذلك فى 1977.4.12 بأن شرط التحكيم الوارد بالبند 28 من عقد الامتياز المبرم بين الطرفين يظل ساريا ومستقلا عن العقد الاصلى رغم اقراره بحق الدولة الليبية فى إنهاء العقد من طرف واحد الذى يعتبر متصلا بسيادتها على ثرواتها الطبيعية.  (1)

_ توصل المحكم فى القضية المرفوعة من شركة (B. P) النفطية المؤممة من قبل الدولة الليبية بمقتضى القانون 115 لسنة 1971 وذلك بتاريخ 1973.10.10 إلى نفس الحق الذى توصل اليه المحكم السابق، وقضى لها بالتعويض.  (2)

_ درج القضاء الانجليزي على اعتبار الشرط يتبع العقد الاصلى، وقد أسس ذلك على سابقة قرار مجلس اللوردات سنة 1926 فى إحدى القضايا التى عرضت عليه (3)، الا ان هذه السابقة صدر بعدها قرار آخر من مجلس اللوردات سنة 1946 فى قضية أخرى (4) أقرت فيه بقاءالشرط  بالرغم من إنهاء العقد الأصلى بسبب الفسخ.([3])


(1) المحامي الشيخ صلاح الحجيلان – فى معرض تعليقه على المادة 21 من نظام التحكيم السعودى الجديد، التى تنص على هذه الاستقلالية، نشر هذا التعليق في المجلة المذكورة ص1، 2. وتنص المادة 21/2 من قواعد لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولى، والمادة 8/4 من قواعد غرفة التجارة الدولية.

[2] (1)_ طعن ادارى رقم 171 فى 1970.4.5 _ مجلة المحكمة العليا الليبية سنه 6 عدد 4.ص 19

[3] (1) ،(2) د. أحمد أبو رقيه واخرون _ التأميمات النفطية الليبية

أحكام المؤسسة الوطنية للنفط_ طرابلس _ 1991 _ص 315

(3) قضية 1926-Hiji- muljjv-cheangheمشار اليه فى د. أحمد أبو رقيه_ دروس فى التحكيم لطلبة الدراسات العليا _ كلية القانون جامعة قاريونس _بنغازى_1986_ من96