Skip to main content

تعليق على قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا الليبية رقم (7) 2016 م

تعليق على قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا الليبية رقم (7) 2016 م

  • الكاتب: البوديري شريحة

بتاريخ 5/10/2016 م أصدرت الجمعية العمومية للمحكمة العليا قرارها رقم (7) 2016 م، والذى كان موضوعا لمنشور صادر عن إدارة التنفتيش القضائي بالمجلس الأعلي للقضاء رقم (3) 2020م يطرح الإشكالية القانونية التي تنتج عمليا عن قرار المحكمة المشار إليه والوارد منطوقه  أنه”  يؤجل البت في الطعون الدستورية إلي أجل يحدد فيما بعد بقرار من الجمعية العمومية….” مما يجعل القرار والمنشور – عمليا – موضوعا لتخريج قانوني فقهي ربما يساعد في معالجة هذا الإنسداد القضائي الذى أستتبع الأنقسامين التشريعي والتنفيذى في دولة ليبيا منذ حالة الإنشطار المؤسساتي في السلطات بالرغم من أن القضاء الليبي لازال يحافظ علي وحدته في عموم الدولة .

بادىء ذى بدء تعود إنطلاقة المحكمة العليا الليبية إلي بداية الخمسنينات في القرن الماضي حيث بدأت ومرت بمسير حقا يثنئ عليه من المواقف القضائية في الحفاظ علي مبدأ توازن السلط  وحماية المبادئ الدستورية من المساس أو التغول عليها سواء من السلطة التنفيذية أو حتي التشريعية  الكثير. ولنا في هذا قضايا عدة لا داع  للخوض فيها وعلي رأسها إلغائها قرارات ومراسيم صادرة عن الحكومة أو الملك، وكذا إلغاء نصوص تشريعية في قوانين لم تتماش وصحيح الدستور القائم حينيئذ. بيد أنها تم تحييدها عن دورها في النظر في المسائل الدستورية بالقانون رقم (6) لسنة 1982 بإعادة تنظيمها ولم ُيرجع إليها هذا الإختصاص إلا بالقانون رقم ( 17 ) 1994م ، ومع إناطة الإختصاص الدستورى لها مرة اخري إلا أن المحكمة ناءت  بنفسها عن التدخل في القضايا الدستورية حفاظا علي سمعتها في ظل النظام السياسي الذى كان سائدا في ذلك الوقت ولم تسثئانف هذا الدور القضائي إلا في منتصف العقد الماضى ( 2005 م) ، دونما الحاجة في هذا المقام للخوض في طبيعة الدستور الليبي وماهيته سابقا ،  ولكن بعيد عام 2011 م ، أنطلقت المحكمة في النظر في المسائل الدستورية ، وأهم مواقفها إلغاء  جاء في التعديلين الرابع والسابع  للإعلان الدستوري الصادر في أغسطس 2011 م حسب ما يتم إيضاحه لأحقا.

وبالرغم ما منحه تعديل قانون نظام القضاء في عام 2012 من إستقلالية مالية  وزيادة مرتبات أعضاء الهيات القضائية وحياد إداري بفصل تبعية المجلس الأعلي للقضاء عن وزارة العدل كسلطة تنفيذية بيد أن قرار المحكمة موضوع هذا التعليق يثير الجدل القانوني فيما إذا كان هذا التأجيل في نظر الدعاوي الدستورية يعد إنكارا للعدالة  ، ومن الجهة التي يمكن النظر أمامها في مثل هذا القرار؟

لهذا يتم تناول هذا التعليق في عدد م المحاورعلى النحو الأتي:

  • حكم المحكمة العليا في عام 2014 م
  • القوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني العام بعد عام 2014م
  • القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب
  • إتفاقية الصخيرات والتعديل الدستـــــــــــــورى
  • مبدأ إنكــــــــار العدالة
  • محكمة أقليمية / قارية

أولاً : حكم المحكمة العليا الليبية رقم  (  17  ) 61 ق – الصادر بتاريخ  6/11/2014 م

أثار الحكم الصادر عن المحكمة  العليا الليبية بعدم دستورية التعديل السابع للإعلان الدستورى (  الفقرة 11 من المادة 30 ) جدلا سياسيا وإعلاميا لا متناه ولكن يبقي التخريج القانوني للمحكمة – في رأينا- منذ البدء تخريجا قانونيا سليما بعدم تمتع جلسة المؤتمر الوطني لإجراء هذا التعديل بسبب عدم وصول النصاب في الحضور إلي 124  صوتا وأنما فقط كان الحضور للأعضاء 121 صوتا ، مما لم  تحتاج المحكمة أن تتطرق في حيثيات الحكم البته إلي الشق الموضوعي،  ولا للأثار -غير القانونية- الممكن أن تترتب عن هذا الحكم كون المحكمة ألتزمت بأختصاصها الولائي  هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري التصويت علي الحكم من 13 مستشارا من  أصل 15  يكفي لإصدار الحكم الذى يتطلب غالبية الثلثين وهي تسعة قضاة  في الدوائر المجتمعة للمحكمة. وما يزيد هذا التأكيد في سلامة هذا التخريج القانوني أن القضاة أنفسهم من حكموا بإلغاء ذات التعديل الرابع للإعلان الدستورى هم أنفسهم من حكموا بإلغاء التعديل السابع ، الحال الذى يؤكد أنه لا يمكن القبول بالإدعاءات الإعلامية أو السياسية التي تشكك في نزاهة الحكم أو صدوره في ظروف غير أمنة طالما ببساطة أكتفت المحكمة في حدود الجوانب الإجرائية للنظر في الدعوي الدستورية مهنيا من حيث مدى توفر النصاب في التصويت من عدمه  ولم تتعمق في الموضوع ملتزمة أسباب الطعن. [1]

ولكن الجدل القانوني  يبدو أنه قد حسم في بطلان ما يترتب عن هذا التعديل من مخرجات لجنة فبراير ووجود مجلس النواب عينه ، إلا أن السؤال كان ولازال يطرح نفسه وهو مدى أحقية المؤتمر الوطني العام في الإستمرارية من عدمه ؟ بسبب أرتباطه بمدة زمنية وجدت وأنتهت ، و أن ليبيا في مرحلة إنسداد سياسي وتشريعي وإنقسام مؤسساتي لا مخرج منها إلا بإجراء إنتخابات جديدة.

ولعل في هذا المضمار نشير إلي المحكمة العليا تجنبت النظر في الطعن رقم (16)، وذلك بأن حسمت عقيدتها بوجود أساس إجرائي ُيستند عليه في الطعن رقم (17)  دونما الحاجة للخوض في موضوع النزاع القانونى  مرة أخري ، وحسنا ما فعلت.

ثانياً : القوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني بعد عام 2014 م

أنتخب المؤتمر الوطني العام بإنتخابات سليمة في عام 2012 مما أعطاه الشرعية كسلطة تشريعية وفق الإعلان الدستورى لعام 2011 أن يمارس أختصاصه في إصدار القوانين وتعديلها وكذا القرارات بمراسيم وذلك حتي صدور حكم المحكمة العليا المذكور ليأتي الإشكال القانوني في مدى مشروعية إستمرارية المؤتمر الوطني العام بوجود مجلس النواب الذى ألغي ضمنيا بحكم المحكمة العليا المشار إليه ؟ وهل المدافعون عن أستمراريته بعد عام 2014 وما بعهدها يستندون إما إلي حجة عدم وجود قيد زمني محددا لإستمراريته،  أو أن إجراءات التسليم والإستلام لم تتمم بالطرق الدستورية لمهام السلطة التشريعية في طرابلس، أو التخوف من حدوث فراغ تشريعي في الدولة؟

القضاة في المحاكم الليبية يبدو عليهم الإنقسام حيال مدى دستورية القوانين والتعديلات  الصادرة من المؤتمر الوطني العام في عامي 2014 و2015 م ، ومرجعية الخلاف تعود إلي عدم حسم السؤال في مدى دستورية إستمرارية وجود المؤتمر الوطني العام في هذة الفترة من عدمها حتي يضحي سلطة مشروعة في القيام بواجبه التشريعي. وبغض النظر عن معيار الزمن أو حجة الفراغ التشريعي فأن – فى رأينا- المؤتمر الوطني العام ربما يعد كذلك جسما منتهيا ، وفي المقابل لم يقم أي من كان له الصفة والمصلحة  – لأحقا – طلب تفسيرا في هذة الجزئية من المحكمة العليا الليبية ، أو فتوى من إدارة القانون ، وهذا ماأشرنا لضرورة الحاجة إليه في أكثر من مناسية سلفا.  وربما تتأتي الجدلية القانونية من المادة (30) من الإعلان الدستورى  والتي تنص ( ….. يصادق المؤتمر الوطني العام علي النتائج ويعلنها ، وتدعي السلطة التشريعية للإنعقاد في مدة لا تزيد علي ثلاثين يوما . وفي أول جلسة لها  يتم حل المؤتمر الوطني العام وتقوم السلطة التشريعية بأداء مهامها…..). الأمر الذى يستوجب معه التوقف عند هذ ا النص وإعماله إذا ماتمت الدعوة لإنعقاد هذة الجلسة  المنصوص عليها في هذة المادة . فالسؤال عندئذ.. هل المؤتمر – دستوريا-  يعد منحلا ، أو أن أشتراطات حله لم تتوافر  ؟ وبالتالي  ما هي حجة القائل بدستورية أستمراره من عدمه بسبب الأجال أو عدم تحقق الإشتراطات المنصوص عليها دستوريا ؟.

ثالثاً:  القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب

مجلس النواب يعد جهة منتخبة يتولي إستلام مهامه من المؤتمر الوطني العام في عام 2013 م ،  بيد أن صدور حكم المحكمة العليا يشكل  – في نظرنا –  نقطة تحول جوهري كبيرة لمجلس النواب بإعتباره السلطة التشريعية في الدولة إلي جسم غير دستورى – ضمنيا –  مما يؤدي إلي عدم الإعتداد بما يصدر عنه من تشريعات ، وهذا ما نجده مثلا في القانون رقم (1)  لسنة 2013 م  في شأن منع المعاملات الربوية  (كون لدينا تحفظ في طريقه التصويت عليه والتسرع الزمني في فى دولة  ليس لها الإستعداد المهني والقاعدي في إجراء هذا التعديل التشريعي) والذى عدل بالقانون رقم (7) لسنة 2015 م الصادر من مجلس النواب بتجميد القانون رقم (1) لسنة 2013 المذكور  لمدة  خمس سنوات حتي عام 2020 م.  لكن هذا القانون المعــدل  (رقم 7 لسنة 2015)  يواجه عدم  الإعتداد  به ، حيث لم تشر  المحكمة العليا إليه عند نظرها الطعن المدني 467/ 64 ق بتاريخ  16/6/2019 م ، وأعتذت بالقانون رقم (1) لسنة 2013 م المشار إليه ، وأعتبرته ساريا دون أن تنظر إلي القانون رقم (7) لسنة 2015 الصادر بتجميده .

هذة الفوضى التشريعية التي تضاف للإنقسام المؤسساتي في الدولة تجد لها مرتعا خصبا في الإتفاق السياسي بالصخيرات بالمغرب الذى أضاف ثقلا أخرا منذ 2016عام  للساحة التشريعية في ليبيا ، حيث فَعل هذا الإتفاق الأجسام التشريعية القائمــة (المؤتمر الوطني العام في صورة مجلس الدولة ومجلس النواب كسلطة تشريعية) وحكومة الوفاق الوطني كسلطة تنفيذية إلا أننا نواجه معضلة قانوينة في مدى إعتبار شرعنتها دستوريا في مجلس النواب بتعديل للإعلان الدستورى تتفق وصحيح الإعلان الدستوري الصادر في عام 2011.

وفى هذا السياق نستحضر طعن المحكمة العليا رقم 467 / 64 ق بتاريخ 16/6/2019 م  المشار إليه ، والذى يعكس إتجاه المحكمة العليا الليبية في تجاهلها البته وجود مجلس النواب  إعمالا ضمنيا لحكمها رقم  17/61 ق الصادر في 6/11/2014م عندما تعرضت لمجال تطبيق القانون رقم 1/2013 م بشأن منع المعاملات الربوية في طعنها المدني المشار إليه متجاهلة تماما وجود أو نفاذ القانون رقم 7 لسنة 2015  م الصادر عن مجلس النواب بتعديل القانون رقم 1 لسنة 2013 م المذكور.

رابعاً: إتفاقية الصخيرات والتعديل الدستورى

لازالت محل جدل قانوني لم يحسم بالرغم من الإعتراف الدولي لها والعمل – فعليا – علي أساسها ، تبقي الإتفاقية لها بعهدها السياسي ولمدة عامين فقط … فالسؤال يتأتي في مدى دستورية الإتفاق وسريانه بعد العامين ( أى في نهاية 2019 م ) ، ولعل المحكمة العليا الليبية إذا عرض عليها الأمر ربما تراه أو تصنف المسألة مسألة سيادية ومن أعمال السيادة ، وبالتالي تمتنع النظر فيها ، وإدارة القانون لم تظهر علينا برأى حيالها… فأين الملجأ أسوة بقرار المحكمة موصوع هذا التعليق؟

وفي هذا المضمار.. فالمحكمة العليا قد ناءت حقا بنفسها النظر في أعمال السيادة لكونها تخرج عن أختصاصها الولائي، وذلك عندما قامت بإلغائها حكم محكمة إستئناف طرابلس (الدائرة الإدارية) رقم 30 /1970  بتاريخ 22/3/2017 م بشأن مذكرة التفاهم الموقعة بين الدولة الليبية وايطاليا للتعاون في مجالات التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر والتهريب وتعزيز أمن الحدود  الموقعة في 2/2/2017 م ، لتجاوز المحكمة أختصاصها الولائي وفقا للمستقر لدى القضاء الليبي و أحكام القانون رقم 88 لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري  ، والمتعلقة بالأعمال التي تقوم بها حكومة الوفاق  الوطني من عدمها  (الطعن الإداري رقم 151/64 ق بتاريخ 26/6/2019 م ).

وما يجدر الإشارة إليه في هذا التخريج من خلال حيثيات هذا الحكم أن المحكمة العليا تؤكد علي ضرورة إلتزام المحاكم الأدني إحالة القضايا ذات الشأن الدستورى عندما تتعرض إليها في سير الدعوي إلي دائرة القضاء الدستورى بالمحكمة العليا كونها مسألة تتعلق بالنظام العام لا يحتاج القاضي فيها التقيد بطلبات الخصوم ، بيدا أن هذا التوجه يصطدم  فعلا وقرار الجمعية العمومية للمحكمة موضوع هذا التعليق . وهذا  الموقف دعمته المحكمة العليا الليبية في طعن أخر يحمل رقم 152/65 ق بتاريخ 10/4/2019 م عندما ألغت حكم محكمة أسئناف بنغازى (الدائرة الإدارية) بتاريخ 24/5/2017 رقم 244 /2017 م بشأن الطعن في عدم مشروعية قرار حكومة الوفاق الوطني بتشكيل مجلس إدارة المؤسسة الليبية للإستثمار.  وفي هذا الحكم ناءت المحكمة العليا التعرض لمدى مشروعية أو دستورية حكومة الوفاق من عدمه بالرغم من أن المسألة من النظام العام وكان الأجدر من المحكمة أنتهاز هذة الفرصة لحسم الإشكال الدستوري بشأن أتفاقية الصخيرات ذات المنشأ السياسي.

خامساً: مبدأ إنكار العدالة

السؤال الذى يطرح فى هذا السياق ..هل قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا موضوع هذا التعليق يعد مخالفا للفقرة الثانية من المادة (720 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بمخاصمة القاضي إذا رفض أن يقضي في دعوى صالحة للحكم ومنظورة لديه؟

إن الإجابة عن هذا التسأول تكمن في الإجابة عن الأسئلة التالية:

  1. إذا كان القرار المذكور – وإن كان قرارا غير صريح بعدم الفصل في الطعون الدستورية المسجلة لدى المحكمة العليا وتحتاج للبت فيها – أفلا يكون قرار تأجيل لمدة غير محددة ومنذ عام 2016 وحتى الأن ولازال ودون بيان أسباب ذلك نكولا للعدالة؟
  2. ألا يكون القرار المشار إليه مخالفا لنص المادة (35) من الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 3/3/2011 م والساري حاليا ، والتي تقضي بأن ” التقاضي حق مصون ومكفولا للناس كافة ، ولكل مواطن حق الإلتجاء إلي قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين ، وسرعة الفصل في القضايا ” فأين سرعة الفصل في الطعون الدستورية المؤجلة بمقتضي القرار محل التعليق ؟
  3. ألا يخالف القرار المشار إليه ما قضت به المحكمة العليا ذاتها في طعن سابق عابت فيه علي محكمة الموضوع وقفها النظر في دعوي معروضة عليها إنتظارا لصدور تشريع ثالث يزيل التعارض بين تشريعين حسب قول محكمة الموضوع فقضت المحكمة العليا في هذا الشأن قائلة ” إن المشرع  – وإن نزع إختصاص المحكمة العليا بالقانون رقم (6) لسنة 1982 م في الرقابة علي دستورية القوانين – إلا أنه لم يمنع القاضي من النظر في الدفع بعدم صحة تشريع أخر إنطلاقا من وظيفته الأصلية في تفسير القانون، وليس له هذة الحالة أن يوقف النظر في الدعوي إنتطارا لتشريع ثالث يزيل التعارض بينهما ، لأن وقف الدعوى في مثل هذة الحالة يعد إمتناعا عن الفصل فيها ، وهو ما يحرمه المشرع علي القاضي ” ( طعن مدني رقم 3/36 ق. ت بتاريخ 2/12/1990 ) .

هذا .. ومما تقدم  يتبين أن قرار المحكمة العليا محل التعليق يعد في نظرنا إنكاراً للعدالة مما ينطبق عليه نص الفقرة الثانية من المادة  ( 720 ) من قانون المرافعات سالفة البيان.  وبغض النظر عن رفع دعوي مخاصمة في هذا الشأن علي أساس إنكار العدالة تطبيقا لهذة المادة ، وأراد صاحب الشأن أن يطعن في القرار محل التعليق بإعتباره قراراً إدارياً نهائيا قابلا للطعن فيه أمام القضاء الإداري لأن المحكمة العليا تبنت المعيار الموضوعي في قبول الطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة عن السلطة القضائية أمام القضاء الإداري فأنه إما أن يتظلم في القرار أمام الجهة التي أصدرته وهي المحكمة العليا قبل الطعن فيه قضائيا ، فإذا لم ترد عليه في الميعاد القانوني أو ردت عليه بما لا يرضيه فأنه سيلجأ إلي دائرة القضاء الإداري بمحكمة الإستئناف للطعن فيه بالإلغاء والتعويض، وهنا تبرز معضلتان :

  • الأولي : إذا تم الطعن في القرار أمام دائرة القضاء الإداري بمحكمة الإستئناف فأن مستشاري هذة المحكمة سينظرون في الطعن وهم أدني درجة من مستشاري المحكمة العليا الذين صدور القرار .. وهل يجوز أن يعقب الأدني علي أعمال الأعلي؟
  • الثانية : علي فرض أنه تم الطعن في حكم محكمة الإستئناف الصادر في القرار المذكور أمام المحكمة العليا ، وكان هذا القرار قد صدرمن الجمعية العمومية للمحكمة العليا بكامل مستشاريها فمن سينظر هذا الطعن  ؟ وكيف سوف ينظر مستشاروا المحكمة العليا في حكم صادر من محكمة الإستئناف يتعلق بقرار إداري متفقون جميعا بصحته بعقيدة قضائية حسمت سلفا ؟.

هذة الإشكالية قائمة وفي حاجة إلي مخرج لها ، ولربما  في هذا السياق نستحضر بعض التخريجات من القضاء المقارن بشأن التعويض في بعض القضايا عن المواعيد الإجرائية الطويلة عندما تضر بالمتقاضيين ، وذلك وفقا لما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية في باريس في حكمها الصادر بتاريخ 18/1/2010 بإذانة الدولة الفرنسية بسبب مواعيد إجرائية طويلة في قضية عمالية ، وذلك في ظل مبادئ وإلتزامات القانون الأوروبي حيث تنص الفقرة الأولي من المادة (6) من الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بأن لكل شخص الحق في اللجوء إلي القضاء ، ويجب أن تنظر دعواه بصورة عادلة وعلنية وفي مدة معقولة من قبل المحكمة.

سادساً: محكمة أقليمية / قارية

المحكمة الافريقية لا علاقة لها بالموضوع وليس لدينا محكمة عربية ولا مغاربية ولا حتي تحت منظمة الرابطة الاسلامية بخلاف الحال في دول الإتحاد الاوروبي يمكن اللجوء للمحكمة الاوروبية للطعن في قرارات المحاكم الوطنية العليا في حالة عدم إستجابة المحاكم الوطنية العليا لمطالب المتقاضيين وتقوم بدور قضائي كرقيب علي القضاء الوطني. وهذا يعد فعلا فراغا  في النظام القانوني الليبي لا يمكن تعويضه في هذا المجال.

وأخيرا ..إزاء هذه المعضلة القانونية العسيرة التي عرضنا لجوانبها المختلفة علي النحو المتقدم فأننا نري إما أن تعدل المحكمة العليا عن قرارها بتعليق النظر في الطعون الدستورية وتنظر فيها علي ضوء الأوضاع السياسية والواقعية الحالية ، وتصدر فيها أحكامها ، أو تتحمل تبعات إنكار العدالة فتظل علي موقفها الحالي إنتظارا إلى زوال الأوضاع القائمة حاليا وإستقرار الأمور بالدولة كيما تبت في الطعون الدستورية المعروضة عليها .. ونحن إذ نذكر ذلك لا نري أن يكون تحقيق الأمر الأول أو الثاني في المنظور القريب … فلننتظر معاً.

أ. البوديري رمضان شريحة

أناصر المهدى حمزة الحضيري                                                     


[1] لذا  كان حقا في ذلك الوقت – بصفتي ( البوديري )  أستاذا جامعيا سابقا في مادة القانون الدستورى في الجامعات الليبية الإستغراب من تعليقات بعض الزملاء القانونيين من لهم أرث قانوني مرموق من التخبط والإنحياز للتجادبات السياسية والإعلامية دونما الحفاط علي مسافة واحدة من الجميع كمهنيين الأمر الذى يتطلب منا الإستقالالية والإحترافية في إبداء وجهة نظرنا القانونية. وهذة كانت وجهة نظرى في كلمة دعوت لها يوم 27/11/2014 م فى مقر ( تشاتنهم هاوس ) بوزارة الخارجية البريطانية بحضور عدد من السفراء والإعلاميين ومدراء الشركات المهتمة بالشأن الليبي.  ومن قبلها ردا علي صحفي من صحيفة أخبارية  ( ليبيا هارولد ) عندما  ُطلب مني هاتفيا التعليق علي الحكم في اليومين التاليين لصدوره فرفضت التعليق إلي أن اتحصل علي نسخة منه لكوني لست إعلاميا ولا سياسيا. وطلبت منه أن أتصل به حالما أتحصل علي نسخة من الحكم وتمت المكالمة بعد أسبوع في ذلك الوقت بذات الرأى أعلاه.