تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في ليبيا
- الكاتب: الناصر حمزة
قائمة المحتوى
مقدمة
أعترفت ليبيا كغيرها من الدول بقيمة الأحكام والأوامرر والسندات الرسمية الأجنبية فنظمت المواد من 405 إلى 410 من قانون المرافعات المدنية والتجارية قواعد تنفيذها في ليبيا في حالة عدم وجود معاهدة بشأنها ونصت المادة 411 من ذات القانون على تغليب الأحكان الواردة في المعاهدة على تلك القواعد.
كما نظمت المواد من 739 إلى 771 من القانون المذكور القواعد العامة المتعلقة بالتحكيم ومنها تنفيذ حكم المحكمين سواء كان صادرا في الداخل أو في الخارج، وذلك في ظل عدم وجود قانون خاص بالتحكيم.
وبناء على ذلك ، فإننا سنتناول بإيجاز في المبحث الأول تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في ليبيا بمقتضى نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية، وفي المبحث الثاني، تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في ليبيا بموجب نصوص المعاهدات .
المبحث الأول: تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في ليبيا، بمقتضى نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية
سنعرض في هذا المبحث:
أولاَ: شروط الأوامر بتنفيذ تلك الوثائق في ليبيا.
ثانيا : إجراءات الأمر بتنفيذها.
ثالثا ـ آثار الأمر بتنفيذها.
وذلك على النحو التالي:
أولاً: شروط الأمر بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في ليبيا
يُشترط ليأمر القاضي الليبي بتنفيذ تلك الوثائق الرسمية في ليبيا الشروط الآتية:
الشرط الأول: توافر التبادل (المعاملة بالمثل)
ومقتضى هذا الشرط وفق المادة 405 مرافعات أن:
- تعامل في ليبيا الأحكام الصادرة في بلد أجنبي ذات المعاملة التي يُعامل بها الحكم الليبي في البد الأجنبي ، فإذا كان قانون البلد الأجنبي لايعترف بالحكم الليبي، ويوجب رفع دعوى جديدة بالحق محل هذا الحكم ، فإن أحكام ذلك البلد الأجنبي لايجوز الأمر بتنفيذها في ليبيا، وإنما يجب رفع دعاوى مبتدأة أمام المحاكم الليبية على أساس الحقوق التي قررتها هذه الأحكام.
- إذا كان القانون في بلد أجنبي يشترط لتنفيذ الحكم الليبي أن يكون القاضي الليبي مختصا بإصداره وفقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي في ذلك القانون، فإن القاضي الليبي لا يأمر بتنفيذ الحكم الصادر في هذا البلد الأجنبي إلا بعد أن يتحقق من صدوره وفقا لقواعد الأختصاص القضائي الدولي الليبي.
- إذا كان قانون البلد الأجنبي يشترط مراجعة الحكم الليبي من حيث ما قضى به في الوقائع والقانون، فإن القاضي الليبي لا يأمر بتنفيذ الأحكام الصارة في هذا البلد إلا بعد التحقق من صحتها من حيث الوقائع والقانون.
الشرط الثاني: صدور الحكم من محكمة مختصة
وفق نص المادة 407 /1 مرافعات فإنه لكي يأمر القاضي الليبي بتنفيذ الحكم الأجنبي أن يكون هذا الحكم صادرا من محكمة مختصة وفقا لقانون البلد الذي صدر فيه. ويتحدد الأختصاص في هذا الشأن وفقا للقانون الأجنبي وليس وفق القانون الليبي.
الشرط الثالث: توافر قوة المقضى به في الحكم
مقتضى هذا الشرط وفق المادة 407/1 مرافعات أن يكون الحكم أو الأمر حائزا لقوة الأمر المقضى به وفق قانون البلد الذي صدر فيه أي أن يكون الحكم غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية، أي قابليته للتنفيذ جبراً.
الشرط الرابع: صحة الإجراءات
فحسب المادة 407/2 مرافعات يشترط أن يكون الخصوم قد بُلغوا بالحضور، ومُثلوا تمثيلاً صحيحا. وهذه المادة تقرر مبدأ عاما وهو وجوب أن تكون إجراءات الحكم صحيحة وفق قانون البلد الذي صدر فيه الحكم ، ومتفقه مع القواعد والضمانات الأساسية في قانون المرافعات فإذا كان الحكم صحيحاَ وفق قانون البلد الذي صدر فيه إلاٌ أنه معيب وفق قانون المرافعات الليبي فإنه لا يجوز الأمر بتنفيذه لمخالفته لفكرة النظام العام في ليبيا وقد أيدت المحكمة العليا الليبية حكم محكمة الإستئناف الليبية الذي قضى بإلغاء حكم التحكيم الأجنبي لصدوره من قاض إيطالي ممنوع قانوناً من ممارسة التحكيم حيث تخلص الواقعة في صدور حكم تحكيمي في نزاع بين شركة وطنية وأخرى إيطالية، ولكن الشركة الأولى رفعت دعوى أمام القضاء الليبي بعدم صحة تشكيل هيئة التحكيم بسبب إختيار الشركة الثانية محكماً إيطالياً يمارس عمل القضاء حيث يضع قانون نظام القضاء قيوداً خاصة على تولي القضاة مهام التحكيم فاستجابت المحكمة الليبية لذلك وألغت حكم التحكيم، وأيدت المحكمة العليا الليبية هذا القضاء، رافضة الطعن بالنقض المقدم من الشركة الإيطالية.
الشرط الخامس: عدم تعارض الحكم الأجنبي مع حكم ليبي سابق
وفق المادة 407/3 مرافعات فإنه يجب الاً يكون الحكم أو الأمر الأجنبي يستند إلى فكرة النظام العام، فلا يجوز إهدار الحكم الليبي لمصلحة حكم أجنبي.
الشرط السادس: عدم مخالفة النظام العام
تقضي المادة 407/4 بوجوب عدم تضًمن الحكم الأجنبي المراد تطبيقه في ليبيا ما يخالف الآداب أو قواعد النظام العام. وقد عرَفت المحكمة العليا النظام العام بأنه: “كل ما يرتبط بمصلحة عامة تمَس النظام الأعلى للمجتمع ، سواء كانت هذه المصلحة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خلقية”
وقد بيَنت المادة 740 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم باعتبارها تتعلق بالنظام العام بقولها : ” لا يجوز التحكبم في الأمور المتعلقة بالنظام العام أو المنازعات بين العمال وأرباب العمل بشأن تطبيق الأحكام الخاصة بالتأمين الإجتماعي وإصابات العمل وأمراض المهنة، والمنازعات المتعلقة بالجنسية أوبالحالةالشخصية بما في ذلك التفريق البدني ، على أنه يجوز أن يكون موضوع التحكيم تقريراَ لنفقة واجبة في النظام الزوجي والعائلي أو في الخلاف على مقدار المهر أو البائنة أو دعوى مالية أخرى ناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية . كما يجوز التحكيم بين الزوجين فيما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية ولا يصح التحكيم إلَا ممن له أهليه التصرف في حقوقه ، ولا في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح”.
وتطبيقا لأحد أحكام هذه المادة رفضت المحكمة العليا التحكيم في نزاع يتعلق بأجور عاملة وطنية تعمل لدى شركة وطنية، قائلة: ” أن نص المادة 740 مرافعات صريحة في عدم جواز التحكيم في الأمور المتعلقة بالنظام العام . وإذا كان من المقرر- وما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن أحكام قانون العمل كلها تعتبر من النظام العام ، وكان النزاع بين الطاعنة والشركة المطعون ضدها إنما يتعلق بالأجور الإضافية المستحقة عن ساعات العمل الإضافي والعمل خلال العطلات الرسمية وقد قرر قانون العمل إستحقاق هذه الأجور فيكون مقررة بمقتضى هذا القانـــون ، ومن ثم لا يجوز التحكيم فيها لتعلق الأمــر بالنظام العام كما سبق البيان “.
وبناء على ذك فإنه إذا صدر حكم تحكيمي أجنبي يتعارض مع أحكام المادة المذكورة فإن القاضي يمتنع عن الأمر بتنفيذه.
ومن التطبيقات الأجنبية في ليبيا نورد أحكام المحكمة العليا الليبية الآتية:
- في قضية استصدار المتعاقد حكما من محكمة أثينا باليونان ضد الشركة التي تعاقد معها بالزامها بتعويضه مع الفوائد عن الضرر الذي لحقه ، فاعترضت الشركة على هذا الحكم أمام ذات المحكمة التي أصدرته فرفضت الإعتراض، فقام المحكوم له برفع دعوى أمام محكمة بنغازي الابتدائية الليبية بطلب الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي المذكور، فرفضت المحكمة الليبية ذلك، وأيدتها محكمة الإستئناف في قضائها ، إلا أن المحكمة العليا الليبية نقضت حكم محكمة الاستئناف وأمرت بتنفيذ حكم محكمة أثينا الابتدائية قائلة في هذا الخصوص “أن الحكم المراد تنفيذه (حكم محكمة أثينا) صادر عن هيئة قضائية مختصة وفقا لقانون البلد الذي صدر فيه ، وحاز قوة الأمر المقضى به وفقا لذلك القانون , وفي خصومه معلنة إعلانا صحيحا ، ولم يعارض حكما أو أمرا صادرا من المحاكم الليبية ولم يتضمن ما يخالف الآداب أو قواعد النظام العام في ليبيا، يتعين الأمر بتنفيذه طبقا لنص المادة 405 و 407 من قانون المرافعات “.
- لجأت شركة ليبية وأخرى أجنبية إلى محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس التي أصدرت حكما لصالح الشركة الأجنبية وأيدته محكمة إستئناف باريس وصدرت شهادة من محكمة النقض الفرنسية بإنقضاء ميعاد الطعن في هذا الحكم وذُيَل الحكم بالصيغة التنفيذية بفرنسا فرفعت الشركة المحكوم لها دعوى أمام إحدى المحاكم الابتدائية الليبية بطلب تنفيذ الحكم التحكيمي والأستئنافي الفرنسيين ، فقضت بذلك وأيدتها محكمة الإستئناف الليبية، فطعن في حكمها بالنقض أمام المحكمة العليا الليبية بطلب القضاء بعدم جواز تنفيذ الحكم التحكيمي لتخلف شروط تنفيذه ، فقضت المحكمة العليا برفض هذا الدفع قائلة “أن المستفاد من نص المادة 408 من قانون المرفعات أنه يجوز الأمر تنفيذ أحكام المحكمين الصاادر في بلد أجنبي شريطة أن تكون نهائية، وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه على أن تراعي في شأنها القواعد الواردة في المواد السابقة. ولما كانت لمادة 407 من القانون المذكور قد أردت أموراَ يجب التحقق منها قبل الأمر بالتنفيذ، ومن بينها ما ورد بالفقرة الثالة منها وهي ألا يكون الحكم متعارضا مع حكم آخر أو أمر سبق صدوره من المحاكم لليبية، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإن الطعن فيه يكون جديراَ بالرفض.”
- رفعت أحدى الشركات الأجنبية على المتعاقد معها الوطني دعوى أمام إحدى المحاكم الأبتدائية الليبية بطلب الأمر بتنفيذ حكم محكمة التحكيم الدولية بغرفة التجارة الدولية بباريس الصادر بينهما فأمرت المحكمة بذلك وأيدتها محكمة الاستئناف في قضائها الذي طعن فيه أمام المحكمة العليا الليبية فقالت : “أن المادة 408 من قانون المرافعات تنص على أن ( أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها إذا كانت نهائية وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه، وذلك مع مراعاة القواعد المبينة في الماد السابقة ووفقا لهذه المادة ، فإن الشروط اللازمة للأمر بتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في بلد اجنبي تقتصر على النهائية والقابلة للتنفيذ ومراعاة القواعد المبينة في 405 و 407 من قانون المرافعات، ولا يوجد نص في نصوص القانون ما يفيد إشتراط إعلان حكم المحكمين لمراد تنفيذه …”
ثانيا: (إجراءات الأمر بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية)
إجراءات الأمر بتنفيذ هذه الوثائق تختلف بحسب ما ذا كان المطلوب تنفيذه حكما قضائيا أم أمرا ولائياَ أم حكم محكمين أم سنداَ رسمياَ (محرر عاما أم محررا موثقا).
- فإجراءات تنفيذ الأحكام والأوامر (الأعمال الولائية) وأحكام المحكمين تطبق عليها القواعد العامة في الدعوى التي ترفع بطريق التكليف بالحضور، ويرفع الأمر بالتنفيذ إلى المحكمة الابتدائية التي يراد النفيذ في دائرتها (المادة 406 مرافعات) والحكم الصادر في طلب الأمر بالتنفيذ، بجوز إستئنافه بحسب قيمة الحكم المراد الأمر بتنفيذه.
- وطلب الأمر بتنفيذ المحرررات الموثقة فإنه يكون بعريضة تقدم إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية التي يقع التنفيذ في دائرتها. ويتبع بشأنه القواعد العامة في الأوامر على عرائض (المادة 470/2 مرافعات). وتحكم المحكمة في طلب الأمر بالتنفيذ على وجه السرعة (المادة 409 مرافعات).
وتقتصر سلطة المحكمة أو لقاضي المطلوب منه الأمر بالتنفيذ على النظر في توافر شروط الأمر بالتنفيذ فيمنح أو يرفض هذا الأمر دون أن يكون له الحق في تعديل موضوع الحكم، ولكن يجوز له أن يأمر بتنفيذ شق منه فقط ورفض الأمر بتنفيذ الشق الأخر إذا لم يتوافر فيه كل أو بعض شروط الأمر بالتنفيذ.
ثالثا: آثار الأمر بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية
في حالة أمر القاضي اللليبي بتنفيذ الحكم الأجنبي في ليبيا اكتسب هذا الحكم القوة التنفيذية فيصبح واجب النفاذ وفق قواعد واجراءات القانون الليبي فقط، كما يكتسب حجية الأمر المقضي به فلا يجوز إعادة نظر هذه المنازعة أمام القاضي الليبي، فضلاَ عن الضمانات الأخرى المقررة في القانون الليبي كأن يجوز للدائن الذي صدر الحكم لمصلحته أن يحصل متى كان حسن النية على رهن قضائي على عقارات مدنيين ضمانا لأصل الدين والفوائد والمصروفات وفق المادة 1089 والمادة 1090 من القانون المدني الليبي.
كما أن الحكم الأجنبي بما أثبتته من وقائـــع وشهادة شهود وغيرها يعتبر دليل إثبات ، فيجوز رفع دعوى الضمان ضد البائع دون حاجة إلى إستصدار أمر بتنفيذ الحكم الأجنبي.