Skip to main content

عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح كعقود إذعان

عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح كعقود إذعان

|
  • الكاتب: هدى الثلثي

مع ظهور التجارة الإلكترونية، أصبح من غير الممكن اتّباع الطريقة التقليدية للتعاقد التي يتناقش الأطراف في إطارها حول شروط التعاقد قبل التقاء الإيجاب بالقبول، وذلك فيما يتعلق بالكثير من أشكال التصرفات المتعلقة بالبضائع والخدمات، فكثيراً ما تتم المتاجرة بطريقة سريعة لا يتوفر فيها الوقت الكافي لمناقشة شروط العقد.

ومن الصعوبة بمكان أن ينطبق قانون العقود التقليدي فيما يتعلق بعمليات بيع برامج الحاسوب، مع ابتكار الباعة لطرق جديدة تجعل الاتفاق مع المشترين سريعاً وأكثر كفاءة.([1])

سنوضح فيما يلي بعض أنواع العقود الإلكترونية ذات الصلة بعقود التراخيص عبر الإنترنت.

إن أكثـر أنــواع هذه العقود شيوعـاً هي عقــود الترخيص على الغـلاف (Shrink-Wrap Contract)، وعقود الترخيص على المفاتيح  -والمقصود لوحة لمفاتيح- Click-Wrap Contract)). وتعتبر الأولى المصدر التاريخي للثانية. نوضح فيما يلي المعنى المقصود لهذه العقود وتكييفها القانوني.

ماهية عقود الترخيص على الغلاف، وعقود الترخيص على المفاتيح:

            إن بيان ماهية عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح يقتضي بيان المقصود بنوعي العقود.  

1- عقود الترخيص على الغلاف: من المعتاد عند شراء برنامج من برامج الحاسوب أن نجده مغلفاً بغلاف بلاستيكي (cellophane وهي مادة شفافة رقيقة مانعة لتسرب الماء) يحمل تنبيهاً بأن شروط الترخيص المتعلقة باستخدام البرنامج ملصقة على هذا الغلاف، وأن فتح الغلاف يعني القبول بشروط العقد المرفقة به.

ولسوء حظ المشتري فإن العقد المعني سيكون داخل الغلاف، وبفضِّ الغلاف يكون المشتري قد قبل بالشروط الموجودة بالعقد قبل أن يتمكن من الاطلاع عليها.

مثل هذه العقود طريقة مقنعة للتعاقد، ولكنها لم تكن يوماً واضحة، ولم تكن تُشعر المستخدم بأنه ملزم بالعقد، لأن أحداً لم يكن يهتم بقراءة الترخيص قبل فض الغلاف، ولا حتى بعد فضّه، وربما احتفظ عدد قليل من الأشخاص بالترخيص نفسه، ومن هنا رفضتها المحاكم في المرحلة الأولى.

الراسخ الآن أن عقود الترخيص على الغلاف عقودٌ ملزمةٌ قانوناً. وقد صدرت عدة أحكام ضد المستخدمين الذين جادلوا حول نفاذ شروط عقود الترخيص على الغلاف أو على المفاتيح بحجة عدم قراءتها قبل السداد.([2])

            من أمثلة الأحكام الصادرة حول اعتبار عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح ملزمةً، قضيةُ بروسيدي ضد زايد نبرج([3])،(ProCD v. Zidenberg). حيث اشترى زايدنبرج قاعدةَ بيانات شخصية من بروسيدي، جاءت داخل غلاف بلاستيكي يغطي عقد الترخيص بالداخل، والذي يصف كيفية استخدام قاعدة البيانات. استخدم زايدنبرج بعض بيانات قاعدة بيانات بروسيدي لإنشاء محرك بحث خاص به قام بتحميله على شبكة الإنترنت. واعتقد زايدنبرج أنه لم ينتهك عقد ترخيص الغلاف لأنه لم يستخدم البرنامج المحمي الذي جاء مع قاعدة بيانات بروسيدي.

دفعت بروسيدي أمام محكمة أول درجة بأن زايدنبرج تجاهل عقد ترخيص الغلاف المرفق مع نسخة البرنامج عندما بدأ موقع الخدمات الخاص به، والذي حمّل عليه محرك البحث، في حين أن عقد الترخيص يمنع الاستخدام التجاري للبرنامج، وقد ذهبت المحكمة إلى أن زايدنبرج غير ملزم بعقد ترخيص الغلاف.

إلا أن محكمة استئناف الولايات المتحدة الدائرة السابعة ومقرها مدينة شيكاغو في ولاية ايلينوي نقضت هذا الحكم وقضت بأن زايدنبرج كان ملزماً بشروط عقد الترخيص طالما أن هذه الشروط معقولة.

وذكرت المحكمة أن المعاملات التي يتم فيها الدفع أولاً قبل الإخطار أو بيان الشروط التفصيلية، هي معاملات موجودة ومعترف بها، ومن أمثلتها الشراء عن طريق الهاتف، حيث أنه من غير العملي أن تتم قراءة شروط البيع لكل زبون على حدة.

2- عقود الترخيص على المفاتيح: مع ظهور شبكة الإنترنت أصبحت البرامج متاحة للتنزيل بسهولة من خلال المواقع الإلكترونية، ووجدت شركات البرامج أنها أصبحت بحاجة إلى حماية نفسها من مطالبات التعويض عن الأضرار الناجمة عن استخدام برامجها.

إذاً عقود ترخيص المفاتيح وُضعت كردٍّ على تطوّر تكنولوجيا الإنترنت والنمو الهائل في استخدامها.

تعتبر عقود الترخيص على المفاتيح المعادلَ الإلكتروني لعقود التراخيص على الغلاف([4])، ذلك أن شراء البرامج عن طريق الإنترنت، أو الاشتراك في خدمات المواقع على الإنترنت عادة ما يحكمه عقد من عقود الترخيص على المفاتيح، كما أن أصحاب الكثير من المواقع الإلكترونية يضعون على صفحتهم الرئيسية بياناً بالقيود على التنزيل أو اعادة إرسال مواد الموقع أو اعادة استعمالها. وعادة ما تكون هذه القيود ورادة في عقد الترخيص على المفاتيح.

            في مثل الحالات السابقة، وقبل انتهاء عملية التنزيل أو الاشتراك أو اعادة الإرسال، تظهر على الشاشة أمام المستخدم، نافذة تتضمن شروط العقد وحقوق والتزامات المستخدم والجهة صاحبة الموقع، منتهية بمكان متروك لطباعة عبارة القبول. وهذا هو النوع الأول من عقود الترخيص على المفاتيح، وقد تنتهي النافذة بعبارتي (أقبل) أو (لا أقبل) أو عبارة أخرى مشابهة، ويطلب من المستخدم النقر على إحدى العبارتين*، وهذا هو النوع الثاني لعقود الترخيص على المفاتيح.

وكما هو الحال في عقود الترخيص على الغلاف، هناك قضايا قليلة في الولايات المتحدة متعلقة بهذه العقود، ومنها قضية الهوت مايل ضد فان مونى باي (Hotmail v. Van Mooney Pie)([5])

تُعتبر هذه القضية من أولى القضايا المتعلقة بعقود الترخيص على المفاتيح. وبالرغم من أن المحكمة لم تتعامل بشكل مباشر مع مسألة نفاذ عقود الترخيص على المفاتيح، إلاّ أنها لمَّحت إلى أن العقود التي تنظم الترخيص على شبكة الإنترنت نافذة، بمعنى أنها قابلة للتطبيق بقوة القانون.

            تتعلق القضية بـ الهوت مايل، وهو مزود خدمات انترنت، ويوفر خدمات بريد إلكتروني مجانية، مقابل الإلتزام بالشروط التي يضعها عقد الخدمات. بعض هذه الشروط كان يتعلق بإرسال الرسائل غير المرغوب بها.

علمت الهوت مايل أن المدَّعى عليهم استخدموا حساب البريد الإلكتروني لغرض إرسال مثل هذه الرسائل غيرِ المرغوب بها، وادعت الهوت مايل أن ذلك ألحق ضرراً بسمعتها بعد تلقيها عدداً من الشكاوى، لذلك قامت بمقاضاة فان موني باي.

أمرت المحكمة المدعى عليه بالتوقف عن إرسال مثل هذه الرسائل، دون اصدار حكم قطعي بما إذا كان المدعى عليه قد أخل بشروط العقد. ورغم ذلك، فقد اعتبر المشتغلون بالتجارة الإلكترونية قرار المحكمة بمثابة استعداد منها للتعامل مع عقود الترخيص على المفاتيح بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع عقود الترخيص على الغلاف.

لكلٍّ من عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح عيوبٌ ومميزات، سواء بالنسبة للمستخدم أو للشركة التي تستخدم مثل هذه العقود. ولكن، وبشكلٍ عام، فإن عقود الترخيص على المفاتيح تتميز عن عقود الترخيص على الغلاف بعدة مميزات، فهي تعطي الفرصة للمستخدم لقراءة أحكام وشروط العقد، في حين أن عقود الترخيص على الغلاف لا تسمح بذلك، فالمستخدم لا يستطيع معرفة شروط العقد إلا بعد فتح الغلاف الذي يعتبر موافقة على هذه الشروط، وعندها يكون الوقت متأخراً لاسترداد المال الذي تم دفعه.([6]) ومن الناحية الأخرى، توفّر عقود الترخيص على المفاتيح على البائع تكلفة التغليف والتوزيع، وتفيد المستخدم الذي أصبح بإمكانه الحصول على المطلوب سواء كان برنامجاً أو غيره في وقت أقصر بكثير وتكلفةٍ أقل.

إن مثل هذه المميزات ستؤدي إلى جعل عقود الترخيص على المفاتيح أكثر رواجاً من عقود الترخيص على الغلاف، في حين تصبح الأخيرة جزءاً من الماضي، فقد أصبح شائعاً الآن شراء البرامج عبر الإنترنت وتنزيلها من خلالها.([7])

ورغم ذلك فإن عقود الترخيص على الغلاف تظل إحدى أنواع العقود المستخدمة للترخيص، حتى في بعض حالات البرامج المباعة عبر الإنترنت، وذلك إذا ما كان التسليم بالطرق العادية.   

التكييف القانوني لعقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح:

تعتبر عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح من العقود الإلكترونية، والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو هل تعتبر عقود الترخيص السابق ذكرها من عقود الإذعان؟ وذلك باعتبار وجود الشروط العامة للبيع إما على الغلاف من الداخل أو على الموقع الإلكتروني، وليس أمام المشتري إلا أن يقبلها أو أن لا يتعاقد مطلقاً. ذلك أن عقود الإذعان عبارة عن عقود يضع كل أو أغلب شروطها الطرف القوي في العقد، ولا يستطيع الطرف المذعن أن يعدّل فيها أو يناقش شروطها. ويكون القبول في هذه الحالة مقتصراً على التسليم بعقد أُعدّت شروطه مسبقاً من الطرف القوي في العقد.([8])

وقد نص القانون المدني الليبي في المادة (100) على أن: “القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها”([9]).

وتتميز عقود الإذعان بخصائص معينة، وهي أنها متعلقة بسلع أو خدمات تعتبر ضرورية للمستهلك، وباحتكار هذه السلع أو الخدمات من قبل الموجب، احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها، وبأن الإيجاب بها يصدر بشروط متشابهة على وجه الدوام، وفي صالح الموجب وتكون في صورة نموذج مطبوع سابقاً([10]).

من خلال استعراض تعريف عقود الإذعان وخصائصها، يتضح لنا أن عقود الترخيص يمكن اعتبارها من عقود الإذعان متى توافرت الخصائص السابقة بها، إذا أمكن اعتبار السلع محل التعاقد وهي هنا برامج الحاسب الآلي من السلع الضرورية. وهذه المسألة نسبية ومتعلقة بتعريف ما يمكن اعتباره من السلع الضرورية من عدمه. أما شرط الاحتكار فغالبا لا يمكن الجدل بشأنه باعتبار أن هذه البرامج محتكرة من قبل شركات كبرى تفرض شروطاً متشابهة على المستخدمين وتكون معدة سلفاً.

وبالتالي فإن غياب التشريعات الناظمة لعقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح في بعض البلدان مثل ليبيا، يجعل من المتصور تطبيق القواعد المتعلقة بعقود الإذعان عليها. ولعل القضاء مستقبلا سيوكد هذا التكييف.

لقد جعل المشرع الليبي في المادة (149)، والمادة (153-2) من القانون المدني للقاضي سلطة تقديرية في تعديل شروط العقد إذا ما كانت شروطاً تعسفية، فنص في المادة (149) على أنه: “إذا تم العقد بطرق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك”([11]). ويجوز للقاضي على هذا الأساس تعديل شرط من شروط عقد الترخيص أو اعفاء المذعن منه إذا ما اعتبره شرطا تعسفياً. وهنا نلاحظ أن القضاء الأمريكي لم يأخذ بهذا الجانب وكان ذلك واضحاً في قضية مورتنسن ضد تمبرلاين للبرامج* (Timberline Software Corp v. M.A.Mortenson)، فالمحكمة قضت بإلزامية شروط عقد الترخيص، وبالتالي تطبيق شرط الإعفاء من المسؤولية المنصوص عليه رغم علم تمبرلاين بالعيب الموجود بالبرنامج المباع وبطريقة علاجه قبل بيعه.

ونصت المادة (153/2) من القانون المدني على أن: “1- يفسر الشك في مصلحة المدين. 2- ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن”([12]). وبالتالي إذا ثار نزاع حول شرط من شروط عقد الترخيص فإن الشك يفسر لمصلحة المستخدم.

إن إمكانية تطبيق القواعد العامة لعقود الإذعان على عقود الترخيص على الغلاف وعقود الترخيص على المفاتيح، لا يعني أنه ليست هناك حاجة إلى تنظيم تشريعي لمثل هذه العقود، ذلك أن عقود ترخيص استعمال البرامج والمعلومات الإلكترونية التي توزع عبر الإنترنت، أو تلك التي تحدد شروط استعمال الخدمات على الخط (on-line) تعتبر عنصراً أساسياً من عناصر التجارة الإلكترونية.

يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند سن التشريعات الخاصة بالتجارة الإلكترونية توضيح عقود الترخيص من خلال تحديد الحقوق والإلتزامات لكل من البائعين والمشترين عبر الإنترنت، ذلك أن عدم تنظيم عقود الترخيص تشريعياً قد يؤدي إلى تناقص الثقة في التعاقد الإلكتروني الذي يعتمد على التراخيص.كما يجب أن نستفيد من التجارب القضائية التي يوفرها القانون المقارن لمعرفة الطريق الأنسب لتنظيم هذا النوع من العقود والذي إما أن يطبق قانون العقود بقواعده التقليدية المنظمة للعقود الكتابية أو الذي يفضل صياغة قانون خاص لتنظيم العقود الإلكترونية.


([1]) انظر: مقال بعنوان عقود الترخيص على الغلاف (Shrink wrap contract) على الموقع: http://enwikipedia.org/wiki/Shrink_wrap_contract. (23/2/2008).

([2]) انظر:  Robinson,Stevenمقال بعنوان (المخاوف الأمنية لعقود الترخيص)، على الموقع: http://www.secnrityfocus.com/infocu/1602  (23/2/2008).                                  

([3]) انظر: حكم محكمة استئناف الولايات المتحدة الدائرة السابعة مشار إليه على الموقع: http://www.murdoch.edu.au/elaw/issues/v10n4/halbert104_text.html (23/2/2008).          

أيضاً انظر نفس الحكم على الموقع: http://www.design_ireland.net. (19/7/2007).

([4]) انظر: مقال سابق على الموقع: http://www.securityfocns.com/infocus/1602.                                                        

* ومن هنا جاءت تسمية click_wrap حيث أن الموافقة تتم بالضغط (click) على مفتاح الموافقة.

([5]) انظر: حكم مشار إليه على الموقع : http://www.design_ireland.net.(19/7/2007).

([6]) انظر:  Callan,Davidمقال بعنوان (كيف تتميز عقود الترخيص على المفاتيح على عقود الترخيص على الغلاف) على الموقع:   http://www.akamarketing.com/click-wrap-shrink-wrap_contracts.html. (23/2/2008)

([7]) انظر: مقال بعنوان (مميزات عقود الترخيص على المفاتيح على عقود الترخيص على الغلاف) على الموقع:

 http://www.design-ireland.net. (19/7/2007). 

([8]) انظر: البدوي، محمد علي، النظرية العامة للالتزام، ليبيا: دار الكتب الوطنية، ط2، الجزء الأول،1997، ص68.

([9]) انظر: موسوعة التشريع الليبي (القانون المدني)، مرجع سابق، ص28.

([10]) انظر: البدوي، محمد علي، مرجع سابق، ص69.

([11]) انظر: موسوعة التشريع الليبي (القانون المدني)، مرجع سابق، ص38.

متوفرة على الموقع:http://www.murdoch.edu.au/elaw/issues/v10n4/halbert104_text.html  (23/2/2008).

([12]) انظر: موسوعة التشريع الليبي (القانون المدني)، مرجع سابق، ص39.