الحقوق المتروكة (Copyleft)
- الكاتب: هدى الثلثي
إن العلاقة بين عقود الترخيص وقوانين حقوق المؤلف من المواضيع المهمة الجديرة بالدراسة، ذلك أن عقود الترخيص صُمّمِت من أجل توسيع نطاق حماية المنتجات مثل برامج الحاسوب عن تلك الحماية التي تمنحها قوانين حقوق المؤلف.
تهدف قوانين حقوق المؤلف إلى تحقيق التوازن بين مصالح عامة الناس مع مصالح مالك حقوق المؤلف. إلا أن العديد من مالكي حقوق المؤلف، يرغبون في تقوية هذه الحقوق فاتجهوا إلى عقود الترخيص بوصفها الآلية الممكنة لذلك في عصر المعلومات.
إن الشركات التي تبيع منتجاتها في المقام الأول في مجال التكنولوجيا الرقمية مهتمة بشكل خاص بحماية حقوقها في مواجهة المستخدم المتعدي، بسبب سهولة التعدي على المنتجات الرقمية.
وكرد فعل على سهولة نسخ البرامج، اتجهت شركات صناعة البرامج وصناعة النشر الإلكتروني إلى عقود الترخيص على أشكالها، لتعزيز الحماية التي يوفرها هيكل حقوق المؤلف.
يُفاجأ الكثير من المشترين عند قيامهم بتركيب البرامج على أنظمتهم باكتشاف ما تعاقدوا على القيام به. تدَّعى العديد من تراخيص الغلاف Shrink-wrap، على سبيل المثال، بأن المنتَج قد أُجِّر ولم يتم شراؤه، مما يجعل إعادة بيعه تجاوزاً لقوانين حقوق المؤلف.
إن عقود الترخيص هي طريقة لتوسيع حقوق الملكية في عصر المعلومات، وبينما هناك حاجة إلى التراخيص لتحكم أو تضبط بعض جوانب المواد المحمية بموجب حقوق المؤلف، فإن التراخيص طُوّرت لحماية المحتوى الرقمي بشكل موسع جداً.
ولعل أوضح الأمثلة على ذلك قضية شركة مورتنسن ضد شركة تمبرلاين للبرامج (v M. A. Mortenson Co. Timberline Software Corp.)([1]). حيث تم ابتكار نظام تشغيل جديد لا يمكن للبرامج القديمة أن تعمل عليه، فقامت شركة مورتنسن بشراء النسخة المُحدَّثة من البرنامج، وتعاقدت مع تمبرلاين لتركيب البرنامج على أجهزته.
استعملت شركة مورتنسن البرنامج بعد تركيبه لتقديم عرض حول مشروع إنشاء مركز طبي، وخلال إعداد العرض تعطل البرنامج عدة مرات، ثم استمر في العمل، وتم إعداد العرض وفازت مورتنسن بالعقد باعتبارها صاحبة العطاء الأدنى. تبينت مورتنسن بعد ذلك أن البرنامج بطريقة ما قد انتهى إلى خطأ في الحساب، مما أدى إلى أن العرض كان أقل مما ينبغي بحوالي مليوني دولار.
قرر المسؤولون في شركة مورتنسن رفع قضية ضد شركة تمبرلاين لتغطية خسائرهم الناتجة عن خطأ البرنامج، وقد تبين لمورتنسن أنه عند وقت شراء البرنامج الجديد كانت تمبرلاين على علم بوجود مشكلة في البرنامج، وكان لديها علاج لها في ذلك الوقت، ولكنها رأت أن هذه المشكلة لن تسبب أضراراً كبيرة لزبائنها وقررت عدم إعلامهم بها أو بطريقة علاجها ما لم يُطلب منها ذلك.
وقد تنازعت الأطراف حول الحقيقة المحيطة بمن فتح غلاف البرنامج عند وصوله إلى مكاتب مورتنسن. وادعت مورتنسن أنها لم تكن على علم بشروط عقد الترخيص على الغلاف، والتي تنص على عدم مسؤولية تمبرلاين عن الأضرار الناتجة عن عيوب البرنامج، لأن البرنامج تم تركيبه من قبل تمبرلاين نفسها.
وقد حكمت المحكمة العليا في واشنطن لصالح تمبرلاين وقضت بأنه ليس ضرورياً قراءة العقد للالتزام به. وتجاهلت المحكمة تماماً معرفة تمبرلاين بعيوب تصميم البرنامج، والتي كان يمكن أن تعالج بتقديم التحديثات اللازمة لتشغيل البرنامج بشكل سليم إلى مورتنسن. إن هذه القضية توضح اتجاه المحاكم في الولايات المتحدة نحو اعتبار عقود الترخيص ملزمة حتى في حالة احتوائها على شروط مجحفة.
في ظل مثل هذه الأحكام التي تظهر تحيزا لصناعة البرامج على حساب المستخدمين ظهرت الحاجة إلى إيجاد نوع من التوازن بين الطرفين.
في الواقع يظل هناك بديل جيد لعقود الترخيص بإمكانه توفير الحماية المتوازنة لكل من المستخدم ومالكي حقوق المؤلف. هذا البديل هو البرامج مفتوحة المصدر (Open Source Software) والتراخيص المناظرة لها والتي تجعل من البرامج المفتوحة المصدر أمراً ممكناً، بمعنى الاتفاق على منح التراخيص المرتبطة بحركة المصدر المفتوح.
تراخيص المصدر المفتوح مبنية على قانون حقوق المؤلف، ولكن بينما تحاول عقود الترخيص إغلاق جميع الاستخدامات غير المرخصة من المؤلف، يستخدم المصدر المفتوح قانون حقوق المؤلف لتشجيع تبادل المعلومات من أجل تسهيل تطوير برامج أفضل، فتوفّر المصدر المفتوح يشكّل بديلاً للحصول على التراخيص، ويأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الجمهور والمنتِج، ويتيح الفرصة لإعادة النظر في قانون حقوق المؤلف وعلاقته بالترخيص.
يطلق على التراخيص التي تحمى البرامج المفتوحة المصدر اسم التراخيص العامة المتاحة للجمهور (General Public License, GPL) . إن الفكرة الأساسية وراء هذه التراخيص هي أن جميع شفرات الحاسوب المصدرية والمحمية بموجب هذه التراخيص مصممةٌ بحيث تكون متاحة لجميع المستخدمين. ويُقصد بالشفرات المصدرية مجموع المعطيات والتعليمات المكتوبة بلغة من لغات البرمجة، والتي تمكّن البرنامج عند تشغيله من تحقيق النتائج المتوقعة منه.([1])
بعض الشفرات المصدرية مرتبط بحقوق وغير متاح لجمهور المستخدمين، أما البعض الآخر، وهو شفرات المصادر المفتوحة، فهو متاح لجمهور المستخدمين والمهتمين والمبرمجين، وبذلك يمكن لهؤلاء استخدام هذه الشفرات وإدخال التعديلات عليها أو تحسينها، أو تحديثها، أو تجزئتها، لتتوافق مع المواصفات الخاصة بهم، بشرط أن تكون كل هذه التعديلات والتحسينات متاحة لكافة المستخدمين. يضمن هذا الجزء الخاص من تراخيص (GPL) أن المستخدم لا يستطيع خصخصة أجزاء من الشفرة، التي أنشأها المبرمجون المنضوون تحت عقود الترخيص العامة (GPL)، ومن ثم إجبار الآخرين على دفع مبالغ لهم لاستخدام هذه الشفرة.
وإذا كان أحد ما لا يرغب في تبادل الشفرة، فعليه ابتكار برنامج خاص به، ولن يكون في هذه الحالة بحاجة إلى استخدام تراخيص (GPL).
لقد صُمّمت هذه التراخيص للقضاء على قدرة الشركات على تملك الشفرات المتاحة للجمهور، وهكذا فإن تراخيص (GPL) استخدمت بشكل ذكي قوة قوانين حق المؤلف -التي تسمح للمؤلف بالسيطرة على استخدام وتوزيع المنتج- وذلك لتوفير البرامج مجاناً. وبذلك ظهر مفهوم مغاير لمفهوم حقوق المؤلف المتعارف عليها عُرف باسم (Copyleft)، ويُقصد بها: (الحقوق المتروكة أو من دون حقوق المؤلف). أحد تعريفات (الحقوق المتوكة أو من دون حقوق المؤلف) يذهب إلى أنها: “هي التي تشكل وسيلة عامة تجعل البرامج أو غيرها من الأعمال مجانية، مع اشتراط أن تكون النسخ المعدلة أو المضاف إليها مجانية. والأداة الأبسط لجعلها مجانية، هي جعلها متاحة للجمهور من دون حماية حقوق التأليف والنشر”([1]).
هنا يجب توضيح أن المجانية لا تعني تنازل الأفراد عن برامجهم، فالبرنامج لا يعطى مجاناً وإنما يباع بالمال. المجاني هي الرموز أو الشفرة التي كتب بها البرنامج.
ويمكن اختصار المبادئ التي تستند عليها تقنية المصدر المفتوح كالتالي:
- إن أساس أي نظام مفتوح المصدر هو توفر شفرة المصدر لأيٍّ كان.
- في حالة استخدام شفرة محمية بموجب ترخيص مصدر مفتوح، يجب مشاركة الشفرة مع مجتمع المستخدمين.
- إن أموال المشاريع التجارية ليست ناتجة عن الشفرات وإنما عن المُنتَج المتمثل في البرامج، وعن الدعم الذي يُقدّم لها.
- إن المفاهيم الجديدة في ظل المصادر المفتوحة، تؤدي إلى عدم اعتبار القرصنة مشكلة في ظلها، وتصبح الحاجة لعقود الترخيص قد عفا عنها الزمن.
إن فكرة المصدر المفتوح تشجع على الاستناد على ما هو موجود بالفعل حتى لو كان أنشئ من قبل شخص آخر، فلا معنى من إعادة كتابة الشفرة لتؤدي نفس الوظيفة في برنامج مختلف، فالمنطقي هو استخدام نفس الشفرة في البرنامج الجديد. بينما تحظر قوانين حقوق المؤلف نهج المصدر المفتوح باعتبار الشفرة تشكّل ملكية،([2]) تتخذ الحقوق المتروكة من حقوق المؤلف أساسا لمنهحها . وذلك بإلزام مطور البرامج الذي استند تطويره على ترخيص مصدر مفتوح بتوفير البرنامج المطور تحت نفس نوع الترخيص بحيث يصبح الأخير ايضا متاحا للجمهور باعتباره ملكا للجمهور.
بينما تفتح فكرة الحقوق المتروكة المجال واسعا للمستخدم وترخص له استخدام شفرة البرنامج المرخص عن طريق المصدر المفتوح والاعتماد عليها لتطوير البرنامج شريطة توفيرالبرنامج المطور كمصدر مفتوح، تقوم عقود الترخيص على النقيض وهو الاحتكار. بكلمات أخرى، تمثل الأولى جمهور المستخدمين بينما تحمي الأخيرة حقوق أصحاب البرامج. مما يدفعنا للتساؤل حول أي الطرفين ستكون له الغلبة؟
([1]) انظر: مقال بعنوان (ماذا نعني بـ copyleft ؟) متاح على الموقع: http://www.gnu.org/copyleft/cooyleft.ar.html. (30/4/2008).
([2]) انظر: Halbert,Deboraمقال بعنوان ( المصدر المفتوح كبديل لتراخيص الغلاف وحقوق المؤلف) على الموقع: http://www.murdoch.edu.au/elaw/issues/v10n4/halbert104_text.html. (23/2/2008).
([1]) انظر: تعريف الشفرة المصدرية في الموسوعة الحرة على الموقع: http://www.wikipedia.org (15/3/2008).
([1]) انظر: حكم المحكمة العليا في واشنطن متوفر على الموقع: http://www.murdoch.edu.au/elaw/issues/v10n4/halbert104_text.html (23/2/2008)
أيضاً نفس الحكم على الموقع: http://www.infoworld.com/articles/uc/xml/00/08/21/000821ucshrink.html. (29/1/2008).