Skip to main content

ليبيا بين المطرقة والسندان

ليبيا بين المطرقة والسندان

|
  • الكاتب: البوديري شريحة

بات  الليبيون اليوم بين استبدادين إما حكم العسكر والرجوع إلى فكرة شخصنة الدولة والدولة أنا، أو ضيم رجال الدين وتحكمهم على النمط الكنيسي بعصوره المظلمة ومدارسه  الفقهية المتصارعة.

فالهوية الليبية من منطلق الشخصية الوطنية لم يترك لها العنان لتلد وتنمو منذ زرعها في فناء الأمة الليبية على يد المناضل عبد الحميد البكوش بسبب التيارات القومية عبر حقبة سبتمبر، وسقوطها في أزمة الهوية أثناء مرحلة فبراير. فلم نعد نستوعب بعد معنى المواطنة وليس لدينا القدرة على إستحضار وتجسيد  فكرة الدولة المدنية بعقيدة وترجمة عملية لها لمشروع وطني تنتفي فيه صفات التنظير.

وفي هذا يستحضرني موقفان، أولهما يعود إلى ما قبل عام 2011 م وتحديدا في 2008 م عندما دعوت لإفطار رمضاني من قبل صديق في طرابلس وكان الشرف أن تناول الإفطار بحضور والده  ذو التوجه الديني ثقافة ومظهرا، وما أن تعمق الحوار أثرت مسألة تعويض اليهود الليبيين مشروعا تحت الدراسة من قبل الدولة الليبية …حتى أستوقفني برد تنم  فيه نغمة  الكراهية والحقد … أهم ليبييون؟ أجبته بإبتسامة نعم  نعم … فأسترسل في حديثه  بل هم أتوا الآن .. فأستفسرت منه  ماذا تعني ” الآن”.. أهو معيار الزمن؟ وحسب ما أعرفه أن الموجة الثانية لقدوم اليهود إلى ليبيا كانت بعيد سقوط الأندلس أما وجودهم فيعود إلى ما قبل الرومان… وأردفته بتعليق آخر… إذا كانت المسطرة في قياس وعاء الوطنية أو وجودها من عدمه يعتمد على معيار الزمن فلماذا لا نحركها  خلفا  لقرنين أخريين وتشمل حنئيذ  قبائل بن هلال وبني سليم في عهد الدولة الفاطمية ليعودوا إلى جزيرة العرب… وشخصكم الكريم  من  بينهم !!!. وختمت الحوار بكلمة منطوقها .. أننا في القرن الواحد والعشرين، وأننا نسعى إلى بناء  دولة مدنية تقبل بالتعايش السلمي  وقبول الآخر و تستهجن العصبية والإقصاء، دولة مؤسسات وحريات تتبنى تطبيقات المواطنة قبل الوطن، ودولة للجميع وبالجميع.

أما الحادثة  الثانية والذى توقف تفكيري عندها برهة من الزمن عندما شهدت الخبرعلى إحدى القنوات الإعلامية بعد عام 2011 م  بمنع مواطن ليبي يهودى العقيدة من الدخول وتنظيف معبدهم  بالمدينة القديمة في طرابلس من منطلق  الكراهية  ورفض واقع التنوع في المجتمع الليبي دونما أن يكون لمثل هذا المنع  أية مرجعية  حقوقية  أو أساس  قانوني. مما أستوقف ضميرى الحقوقي، أين نحن متجهون بعد  ثورة  فبراير؟ أنحن حقا نسعى إلى بناء دولة مدنية أم أنها مجرد شعارات ترفع فحسب ؟. طالما لازالنا لا نقبل الآخر ولا نرضى بالإختلاف ونسعى إلى زرع العصبية والكراهية باسم الوطن أو الدين. والديمقراطية تعني  لنا  فقط وسيلة للوصول إلى السلطة ومن ثمة التشبث بها وإقصاء الأخر بحجة الإختلاف الديني أو اللغوى أو العرقي وحتى الايديولوجي والثقافي. فأدركت عنذئد أننا ندمر بيوتنا بأيدينا، وأننا سنقف على دولة  أهلكت كغيرها بترعرع السفهاء فيها.

فالشخصية الليبية ينبغي أن تنطلق من هوية وطنية بعدها التاريخي يتأتى من إختلاف العرق واللغة والثقافة والدين  للمجتمع  الليبي، وتجمعها الجغرافيا ضمن منطقة المتوسط. أي أمة ليبية تعكس الموروث الثقافي والحضارى لتركيبة تراكمية للإنسان الليبي تنعكس وتتجسد في علمها ونشيدها وعملتها وحتى مناهجها تستوعب الكل من أمازيغ وتوارق وتبو وعرب وأغريق ورومان وأتراك وطليان ومالطيين وأسبان بحكم المواطنة و تحت سقف الدولة المدنية عملا وليس قولا، وتطبيقا لا تنظيرا دونما إهمال للجانب البحثي في دراسة الشخصية الليبية أسوة بمبادرة تناولت خفاياها للباحث التونسي “المنصف وناس” فى الثالوث الذى لا نستطيع نفضه عنا من الغنيمة والقبيلة والغلبة.

فنحن في ليبيا نحتاج دراسة الشخصية الليبية و بناء الهوية الوطنية  قبل إعادة الإعمار والبناء، فالإنسان هو رأسمال الدولة ومنبع نهضتها لكن ليس أى إنسان، وأنما الإنسان الذى يقبل بمبادئ المدنية ويبدو أن الأجيال القادمة مع إتساع مكنة التواصل بالوسائط الالكترونية سوف يكونوا نواة لثورة ثقافية  في المنطقة وليبيا ليس إستثناء تهز بعواصفها الفكر التقليدى التلقيني نحو فكر تحرري تنويري ولنا درس يقرأ في حقبة الظلام الاوروبي.

البوديري شريحة / محامي

أستاذ جامعي سابق