مقتظفات من الذاكرة القانونية
- الكاتب: البوديري شريحة
مآخذ تشريعية علي القانون رقم (1) لسنة 2013 م بشأن منع المعاملات الربوية
ما من أحد يجادل في حرمة الربا، بالرغم أن التحريم اقتصر على البعد الديني لها، ولم يضبط بعدها الاقتصادي في عالمنا المعاصر اليوم.
وأتصور أنه لا أحد يعارض تشريع قانون يحظر الربا، بالأسس المهنية والعملية. الحال الذى يجعل مكنة النقاش ربما تنجذب إلي مدى واقعية تطبيق القانون عينه وفق الامكانيات البشرية والقدرات العملية المتوفرة حاليا في ليبيا لدرجة أنه – أى تفعيل القانون- بات حقا هاجسا معاشا للشركات والمصارف. إذ كان يجب عند سن القانون مراعاة المراحل الزمنية المطلوبة لتنفيذه مما لا يضر بمصالح قائمة ومراكز قانونية مستقرة خاصة إذا جاء إعمال القانون نفسه بتاريخ رجعي. إذ أقر القانون السريان الفورى والرجعي لأحكامه، أى في فاتحة 2013 بالنسبة للأشخاص الطبيعيين في تعاملاتهم مع الاشخاص الاعتباريين، و مستهل عام 2015 م بين الأشخاص الاعتباريين فيما بينهم.
فالسؤال للمشرع الليبي, هل أخذ في الحسبان أن المصارف والشركات العاملة في ليبيا ليست جاهزة لمثل هذة الخطوة خلال سنتين، وهل يستطيع النظام الاقتصادي الليبي عامة والمصرفي خاصة القيام بهذا الاصلاح ضمن الفترة الزمنية الممنوحة، مما سيكبد، حقا – بل وتكبد فعلا- الاقتصاد الليبي خسائر مالية غير مدروسة. سوف يعرض أموال الدولة الليبية فى الخارج أمام إشكال قانوني جوهري، كونها أى الإيرادات الاتية من الفوائد في نظر القانون مبالغ غير شرعية بل أموال جريمة التعامل بالربا وفق هذا القانون بما فيها الأموال غير المستحقة بعد بسبب رجعية سريان القانون نفسه علي الماضى، وهي ثغرة قد تستند عليها الدول أو المؤسسات الأجنبية في حرمان ليبيا من فوائد أموالها المودعة في الخارج خاصة أموال المصرف المركزي والمؤسسة الليبية للإستثمار ومصرف ليبيا الخارجي وحقوق المؤسسة الوطنية للنفط.
إذا نظرنا إلى دول إسلامية مثل ماليزيا والبحرين، رغم تقدمهما منذ عقدين أو أكثر في بناء قاعدة للتعامل بالأدوات المالية الإسلامية، إلا أنها لا زالت تعتمد النظامين المصرفيين التقليدي والإسلامي، وبالتالي فالأولى بليبيا أن تتبني ذات النهج، خصوصا وهي تفتقد إلى الكوادر والأدوات المالية لمثل هذا التحديث أو الإصلاح التشريعي.
فالمتتبع لطريقة التصويت وعملية تمريرهذا القانون – على الهواء – وفى ظرفية عام 2013، وبآلية رفع الأيادى دونما وجود للتقنية والسرية في إجراء عملية التصويت يتضح له أبعاد وخلفية وجود هذا القانون والذى لم يراع فيه الأثار السلبية في التطبيق خاصة الإقتصادية على مؤسسات الدولة.
بمعني آخر …. أموال مصرف ليبيا المركزي المقدرة بحوالي المائة مليار دولار أمريكى، وكذا أموال المؤسسة الليبية لللإستثمار (النقدية) بحوالي الخمسة عشرة مليار دولار أمريكى المودعة لدى مصرف ليبيا المركزي و ثلاثة مليارات في ودائع تسمى (fixed Income)، و حوالي خمسة مليارات دولار أمريكى بين ما يسمى المشتقات المالية والاوراق المالية (Derivatives, Swaps & Options). تعتمد كلها على نظام ربوى – فائدة – دولي تجني من خلاله العوائد خاصة أموال كل من مصرف ليبيا المركزي والمصرف اللبيى الخارجي.
فالسؤال الذى يطرح نفسه ما هو التكييف القانوني لهذه الفوائد بالمعاملات الربوية – أى ما يسمى الأرباح – عن الودائع والإستثمارات التي تعتمد على الفئات الإستثمارية والمالية المشار إليها وفق القانون رقم (1) لسنة 2013م، أهى غير قانونية بل جريمة تتوافر فيها عناصر القيام بالجرم ويمتد هذا الجرم إلى إستلام هذه الأموال كذلك عن السنوات السابقة لصدور القانون. فالجرم القانوني تتحمله هذه المؤسسات ممثلة في من يترأسها ومجالس إدارتها بالإدانة الجنائية. وعلى النيابة العامة وعلى رأسها مكتب النائب العام وجوب تحريك الدعوي الجنائية ضدهم. بل الشأن لا يتوقف عند هذا الحد، فالمسألة تتعقد والإشكال يزداد تعقيدا إذا أخذنا رأى مجلس الإفتاء أو المفتي فى دولة ليبيا الذى ربما لم تصل مسامعيهم بعد هذا الخرقالشرعي وأن أموال ليبيا العائدة من النفط تستثمر أغلبها من خلال المصرف المركزى والمصرف الخارجي والمؤسسة الليبية للإستثمار بنظام الفوائد الربوية.
ومن جهة أخري ربما يتحجج الطرف الاجنبي مصرفا أو صندوقا إستثماريا في عدم تسديد هذه الارباح إلى المؤسسات الليبية لأنها تتخذ من ليبيا مقرا لها وتأسست وفق القوانين الليبية – مع الأخذ في الإعتبار الإتفاق علي سريان قانون آخر في العقود المبرمة – وبالتالي لا يمكننا خرق القانون الليبي الذى يعتبر تسديد الفوائد جريمة وبتاريخ رجعى، علاوة على أن التقادم في الشق الجنائي لا يسري في ليبيا. وما يزيد الإشكال تعقيدا التضارب الحاصل بين سريان القانون رقم (7) لسنة 2015 م الصادر من مجلس النواب في تأجيل سريان القانون رقم (1) 2013 م لمدة خمسة سنوات أى إلى عام 2020 م وحكم المحكمة العليا في إلغاء تعديل الإعلان الدستوري السابع عام 2014م وعدم تدخل إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء أو المحكمة العليا بإبداء الرأى القانوني حوله. كله في ظل الفراغ الدستوري لغياب سلطة تشريعية تقوم بهذه المهمة نظرا لعدم إستكمال تقنيين إتفاق الصخيرات السياسي دستوريا.
بيد أن المحكمة العليا في طعنها المدني رقم 467 – 64 ق بتاريخ 16-6-2019 م قد حسمت هذه المعضلة القانونية في مدى مشروعية القانون رقم 7 لسنة 2015 المذكور بتجهاهلها وجود القانون أساسا، مما يفهم معه من هذا التوجه انسياق المحكمة العليا لحكمها في طعنها الدستوري رقم 17- 61 ق بتاريخ 6-11-2014 م، بإلغاء الفقرة من الاعلان الدستوري وسحب المشروعية على مجلس النواب، والإستناد فقط على القانون رقم 1 لسنة 2013 كمرجعية في هذا السياق بالعدول علي أى تعديل وارد عيله لاحقا، بل ان المحكمة العليا – وأحسنت تخريجا- في تقييدها احكام تطبيق نصوص القانون رقم 1 لسنة 2013 بان اعتبرت الفوائد الناتجة عن غرامات التأخير بموجب المادة 229 من القانون المدني لا تخضع لأحكام هذا القانون وبالتالي أعطاء مكنة الاتفاق عليها ولا تعد جرما.
أين نحن من القانون والشرع في أموال ليبيا الخارجية ؟